فصل: تفسير الآيات (124- 125):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (122):

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
اللام لتأكيد النفي. ومعناه أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن. وفيه أنه لو صحّ وأمكن، ولم يؤدّ إلى مفسدة لوجب التفقه على الكافة، ولأنّ طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة {فَلَوْلاَ نَفَرَ} فحين لم يمكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر {مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ} أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير {لّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} ليتكلفوا الفقاهة فيه، ويتجشموا المشاق في أخذها وتحصيلها {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ} وليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم في التفقه: إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم، لا ما ينتحيه الفقهاء من الأغراض الخسيسة ويؤمّونها من المقاصد الركيكة، ومن التصدّر والترؤس والتبسط في البلاد، والتشبه بالظلمة في ملابسهم ومراكبهم ومنافسة بعضهم بعضاً، وفشوّ داء الضرائر بينهم وانقلاب حماليق أحدهم إذا لمح ببصره مدرسة لآخر، أو شرذمة جثوا بين يديه، وتهالكه على أن يكون موطأ العقب دون الناس كلهم، فما أبعد هؤلاء من قوله عزّ وجلّ: {لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً} [القصص: 83]. {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملاً صالحاً. ووجه آخر: وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث بعثاً- بعد غزوة تبوك وبعد ما أنزل في المتخلفين من الآيات الشداد- استبق المؤمنون عن آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعاً عن استماع الوحي والتفقه في الدين، فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة إلى الجهاد ويبقى أعقابهم يتفقهون، حتى لا ينقطعوا عن التفقه الذي هو الجهاد الأكبر، لأنّ الجدال بالحجّة أعظم أثراً من الجلاد بالسيف. وقوله: {لّيَتَفَقَّهُواْ} الضمير فيه للفرق الباقية بعد الطواف، النافرة من بينهم {وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ} ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم وعلى الأوّل الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه.

.تفسير الآية رقم (123):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
{يَلُونَكُمْ} يقربون منكم، والقتال واجب مع كافة الكفرة قريبهم وبعيدهم، ولكن الأقرب فالأقرب أوجب. ونظيره {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] وقد حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ثم غيرهم من عرب الحجاز، ثم غزا الشام. وقيل: هم قريظة والنضير وفدك وخيبر. وقيل: الروم، لأنهم كانوا يسكنون الشأم والشأم أقرب إلى المدينة من العراق وغيره، وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم، ما لم يضطر إليهم أهل ناحية أخرى.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن قتال الديلم؟ فقال: عليك بالروم. وقرئ: {غلظة} بالحركات الثلاث، فالغلظة كالشدّة، والغلظة كالضغطة، والغلظة كالسخطة ونحوه {واغلظ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] {وَلاَ تَهِنُواْ} [آل عمران: 139] وهو يجمع الجرأة والصبر على القتال وشدّة العداوة والعنف في القتل والأسر، ومنه {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} [النور: 2]. {مَعَ المتقين} ينصر من اتقاه فلم يترأف على عدّوه.

.تفسير الآيات (124- 125):

{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)}
{فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ} فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه} السورة {إيمانا} إنكاراً واستهزاء بالمؤمنين واعتقادهم زيادة الإيمان بزيادة العلم الحاصل بالوحي والعمل به. وأيكم: مرفوع بالابتداء.
وقرأ عبيد بن عمير: {أيكم} بالفتح على إضمار فعل يفسره {زَادَتْهُ} تقديره: أيكم زادت زادته هذه إيماناً {فَزَادَتْهُمْ إيمانا} لأنها أزيد لليقين والثبات، وأثلج للصدر. أو فزادتهم عملاً، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان، لأنّ الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} كفراً مضموماً إلى كفرهم، لأنهم كلما جدّدوا بتجديد الله الوحي كفراً ونفاقاً، ازداد كفرهم واستحكم وتضاعف عقابهم.

.تفسير الآيات (126- 127):

{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)}
قرئ: {أولا يرون}، بالياء والتاء {يُفْتَنُونَ} يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء الله ثم لا ينتهون ولا يتوبون عن نفاقهم، ولا يذكرون، ولا يعتبرون، ولا ينظرون في أمرهم، أو يبتلون في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعاينون أمره وما ينزل الله عليه من نصرته وتأييده. أو يفتنهم الشيطان فيكذبون وينقضون العهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقتلهم وينكل بهم، ثم لا ينزجرون {نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} تغامزوا بالعيون إنكاراً للوحي وسخرية به قائلين {هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ} من المسلمين لننصرف، فإنا لا نصبر على استماعه ويغلبنا الضحك، فنخاف الافتضاح بينهم. أو ترامقوا يتشاورون في تدبير الخروج والانسلال لواذا يقولون: هل يراكم من أحد. وقيل: معناه: إذا ما أنزلت سورة في عيب المنافقين {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} دعاء عليهم بالخذلان وبصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان من الانشراح {قُلُوبَهُم} بسبب أنهم {قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} لا يتدبرون حتى يفقهوا.

.تفسير الآيات (128- 129):

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}
{مّنْ أَنفُسِكُمْ} من جنسكم ومن نسبكم عربي قرشي مثلكم، ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة من النتائج بقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي شديد عليه شاق- لكونه بعضاً منكم- عنتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه والاستسعاد بدين الحقّ الذي جاء به {بالمؤمنين} منكم ومن غيركم {رَءوفٌ رَّحِيمٌ}. وقرئ: {من أنْفَسِكم} أي من أشرفكم وأفضلكم. وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة وعائشة رضي الله عنهما. وقيل: لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {رَءوفٌ رَّحِيمٌ}. {فَإِن تَوَلَّوْاْ} فإن أعرضوا عن الإيمان بك وناصبوك فاستعن وفوّض إليه، فهو كافيك معرّتهم ولا يضرونك وهو ناصرك عليهم. وقرئ: {العظيم} بالرفع.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: العرش لا يقدر أحد قدره.
وعن أبيّ ابن كعب: آخر آية نزلت: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ}.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نزل عليّ القرآن إلاّ آية آية وحرفاً حرفاً، ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد، فإنهما أنزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صفّ من الملائكة».

.سورة يونس:

.تفسير الآية رقم (1):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
{الر} تعديد للحروف على طريق التحدي. و{تِلْكَ ءايات الكتاب} إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب السورة. و{الحكيم} ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها. أو وصف بصفة محدثة. قال الأعشى:
وَغَرِيبَةٍ تَأْتِي الْمُلُوكَ حَكِيمَة ** قَدْ قُلْتُها لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا

الهمزة لإنكار التعجب والتعجيب منه. و{أَنْ أَوْحَيْنَا} اسم كان، وعجباً: خبرها.
وقرأ ابن مسعود: {عجب} فجعله اسماً وهو نكرة و{أَنْ أَوْحَيْنَا} خبراً وهو معرفة، كقوله:
يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ

والأجود أن تكون (كان) تامة، وأن أوحينا بدلاً من عجب.
فإن قلت: فما معنى اللام في قوله: {كَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا}؟ وما هو الفرق بينه وبين قولك: أكان عند الناس عجباً؟ قلت: معناه أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علماً لهم يوجهون نحوه استهزائهم وإنكارهم، وليس في عند الناس هذا المعنى، والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر، وأن يكون رجلاً من أفناء رجالهم، دون عظيم من عظمائهم، فقد كانوا يقولون: العجب أنّ الله لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلاّ يتيم أبي طالب، وأن يذكر لهم البعث وينذر بالنار ويبشر بالجنة، وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب، لأنّ الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلاّ بشر مثلهم. وقال الله تعالى: {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} [الإسراء: 95] وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب أيضاً، لأنّ الله تعالى: إنما يختار من استحق الاختيار، لجمعه أسباب الاستقلال بما اختير له من النبوّة. والغنى والتقدم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} [سبأ: 37] والبعث للجزاء على الخير والشرّ هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجباً؟ إنما العجب العجيب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء {أَنْ أَنذِرِ الناس} أن هي المفسرة؛ لأنّ الإيحاء فيه معنى القول: ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه أنذر الناس، على معنى: أن الشأن قولنا أنذر الناس. و{أَنَّ لَهُمْ} الباء معه محذوف {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ} أي سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة.
فإن قلت: لم سميت السابقة قدماً؟ قلت: لما كان السعي والسبق بالقدم، سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً، كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد. وباعاً لأنّ صاحبها يبوع بها، فقيل: لفلان قدم في الخير. وإضافته إلى صدق دلالة على زيادة فضل، وأنه من السوابق العظيمة، وقيل: مقام صدق {إِنَّ هَذَا} إن هذا الكتاب وما جاء به محمد {لسحر} ومن قرأ: {لساحر} فهذا إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً، وفي قراءة أبيّ: {ما هذا إلاّ سحر}.

.تفسير الآيات (2- 4):

{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
{يُدَبِّرُ} يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة ويفعل ما يفعل المتحري للصواب الناظر في أدبار الأمور وعواقبها، لئلا يلقاه ما يكره آخراً. و{الامر} أمر الخلق كله وأمر ملكوت السموات والأرض والعرش.
فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: قد دلّ بالجملة قبلها على عظمة شأنه وملكه بخلق السموات والأرض، مع بسطتها واتساعها في وقت يسير، وبالاستواء على العرش، وأتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره، وكذلك قوله: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} دليل على العزة والكبرياء، كقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} [النبأ: 38] و{ذلكم} إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة، أي ذلك العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم، وهو الذي يستحق منكم العبادة {فاعبدوه} وحده ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان، فضلاً عن جماد لا يضرّ ولا ينفع {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فإن أدنى التفكر والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} أي لا ترجعون في العاقبة إلاّ إليه فاستعدوا للقائه {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} و{حَقًّا} مصدر مؤكد لقوله: {وَعَدَ الله}. {إنَّهُ يبدؤ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه، وهو أنّ الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وقرئ: {أنه يبدؤ الخلق} بمعنى لأنه. أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله: أي وعد الله وعداً بدأ الخلق ثم إعادته. والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. وقرئ: {وعد الله}، على لفظ الفعل. ويبدئ، من أبدأ. ويجوز أن يكون مرفوعاً بما نصب حقاً، أي حقّ حقاً بدأ الحلق، كقوله:
أَحَقّاً عِبَادَ اللَّهِ أَنّ لَسْتُ جَائِيا ** وَلاَ ذَاهِباً إلاّ عَلَيَّ رَقِيبُ

وقرئ: {حق أنه يبدؤ الخلق} كقولك: حق أنّ زيداً منطلق {بالقسط} بالعدل، وهو متعلق بيجزى. والمعنى: ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم. أو بقسطهم وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا صالحاً، لأنّ الشرك ظلم. قال الله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والعصاة: ظلاّم أنفسهم، وهذا أوجه، لمقابلة قوله: {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.